




أُعِد هذا الدليل من التزام عديلة بالتثقيف عن نضال النساء السودانيات لتقليص الفجوة الجندرية في المجال العام وتمثيل أنفسهن في عمليات اتخاذ القرار فيما يتعلق بالأمن والسلام.
نخاطب الشباب والشابات السودانيين والسودانيات الذين ربما لا يعلمون عن أجندة أمن وسلام النساء، ولا يزال لديهم/ن الاستعداد للاطلاع والتعلم من ومع النساء والرجال الذين تحدثنا معهم.
سلامنا: دليل أمن وسلام النساء في السودان
إلى سعيدة يوسف تية، التي رحلت عنا أثناء إنتاج كتيب سلامنا..
إلى أحلامها العِظَام وكدحها الجِبال..
المقدمة
منذ اندلاع حرب السودان في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م، انطلقت عدة منابر ومبادرات سلام للوساطة بين الأطراف المتحاربة، والدعوة لسودان آمن حيث ينحصر النشاط السياسي في الدور المدني ويلتزم الجيش بالدفاع عن السودانيين والسودان. سواء أُُطلقت عن طريق المملكة العربية السعودية، مصر، أثيوبيا، الولايات المتحدة الأمريكية، الإتحاد الأوروبي، الإيقاد، أو الإتحاد الأفريقي - جميع هذه المنابر لم تفلح إلى الآن - نوفمبر ٢٠٢٤م، في التوسط بين القوات المسلّحة السودانية وقوات الدعم السريع. وبينما تُؤثِّر الحرب على جميع السودانيين بطريقة أو بأخرى،
إلا أن النساء والفتيات ظللن يتحمّلن العبء الأثقل حيث يتعرّضن لعنف جندري وجنسي بشكل أكبر في مناطق النزاع واللجوء. ومن ناحية أخرى، فقد تم استثناء النساء والفتيات باستمرار من العمليات السياسية السابقة والجارية لمخاطبة قضايا الأمن والسلام، تاركةً خلفها مطالبهن وأصواتهن. هذا الدليل هو محاولة لتتبّع الوضع الراهن لأمن وسلام النساء في السودان بما يتجاوز ما شوهد وذُكِر في التقارير. عن طريق إلقاء نظرة مُتعمّقة في الدور الذي تلعبه ناشطات وناشطي أمن وسلام النساء لتعزيز الأصوات القاعدية،
ورفع مطالبها في المنابر القومية والعالمية بمحادثات السلام والعمليات السياسية. هذا الدليل أيضاً يلقي النظر على ديناميات التمثيل داخل المساحات السياسية. وأخيراً، يقدّم هذا الدليل مجموعة أدوات وتكتيكات استُخدمت من قبل ناشطات أمن وسلام النساء للتأثير على اتخاذ القرار والتصدي للإقصاء السياسي.
المنهجية
أبجديات أمن وسلام النساء (WPS)
ماذا يعني أمن وسلام النساء؟
هل سمعتم/ن بمحادثات السلام التي تلي اندلاع النزاعات من قبل؟ هل شاهدتم/ن أو قرأتم/ن أخبار من قبل عن غرف مغلقة حيث تتفاوض الأطراف المتحاربة بمعزل عن الضحايا؟ هل تساءلتم/ن من قبل ’’لماذا المندوبون دائماً رجال؟
عندما تذكر التقارير الإخبارية قتل الرجال واغتصاب النساء، هل تتساءلون/تتساءلن لماذا النزاعات يصاحبها عادة عنف ضد المواطنين/ات، غير أن العنف يوجه بشكل مختلف بناءً على أسس جندرية وطبقية؟ هل تساءلتم/ن من قبل لماذا مخيمات النزوح واللجوء مليئة بالنساء والأطفال، ولكن القليل جداً من الرجال؟
هل تتساءلون/تتساءلن عن ماذا يحدث للنساء اللاتي يلدن في هذه المخيمات؟ وعندما تتساءلون/تتساءلن، هل من أجوبة؟
لكل ذلك وأكثر نتحدث عن أمن وسلام النساء (WPS). إذن، ما هو أمن وسلام النساء؟
أمن وسلام النساء
ما أهمية أجندة أمن وسلام النساء للسودان؟
كيف ولماذا يتم استهداف النساء في النزاعات؟
التحديات الراهنة لأمن وسلام النساء

كيف تتمظهر الأفكار السابقة في حرب اليوم؟ وكيف جعلت الحرب حياة النساء أكثر صعوبة؟
هنا، نستعرض بعض التحديات التي تمر بها النساء والفتيات في سودان اليوم في ظل الحرب والنزاع المسلح. يعمل أطراف الحرب بكد لاستخدام النساء وأجسادهن كأسلحة حرب ومزايدة سياسية كلما سنحت فرصة، هيكلياً وبنوياً، مع انعدام الخدمات والبيوت الأمنة والنظام الاجتماعي الذي يضمن دوائر الثقة.
أعمال الرعاية: يقع عبء أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر في المقام الأول على عاتق النساء والفتيات. ومع ذلك، أدت الحرب إلى تفاقم الوضع لأسباب مرتبطة باستضافة أسر كبيرة، مما أدى إلى الاكتظاظ واستنزاف الموارد، فضلاً عن فقدان شبكات الدعم والطلب المتزايد على الرعاية بعد تعطيل خدمات الرعاية الصحية والتعليم. ونتيجة لذلك، وجدت النساء أنفسهن يتحملن عبء رعاية أثقل، مما أثر سلبًا على صحتهن البدنية والعقلية.
فقدان المدخرات وسبل العيش: لقد أدت الحرب المستمرة إلى تقليص سبل العيش. فقد انهارت صناعات بأكملها، ودُمرت البنية التحتية، وشُرِّد العمال. كما فُقِدَت الوظائف في القطاع الرسمي، ولم يتقاضَ القطاع المدني رواتب لشهور متتالية. ونسبة للتوسع الهائل في القطاع غير الرسمي سابقاً، لا يزال فقدان سبل العيش يشكل تحديًا مستمرًا، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتدهور مسبقاً.
نهبت البنوك والأسواق والمنازل في الأيام الأولى من الحرب، مما ترك غالبية المتضررين، وخاصة النساء، في مواجهة ضربة مزدوجة. لقد أدى تعطيل الأنشطة الاقتصادية إلى حرمان الأسر والأفراد من مصادر دخلهم الأساسية. وفي حين استنفد البعض مدخراتهم لإعالة أنفسهم أو الهروب من مناطق الصراع، تظل الفوارق صارخة - فلم يكن لدى الجميع مدخرات يعتمدون عليها. كما أدى فقدان الأمن المالي إلى تفاقم التحدي المتمثل في التعامل مع محنة النزوح.
أصبحت فرص العمل محدودة وأصبح العمل في سياقات جديدة أو مختلفة يشكل عائقًا كبيراً، وخاصة بالنسبة للنساء. حيث كانت النساء في السابق قادرات على الوصول إلى العمل في القطاع غير الرسمي في الغالب، فقد اضطررن إلى التعامل مع تحديات مختلفة مرتبطة بالوضع الأمني المتقلب وخطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، مما يزيد من تقييد قدرة النساء على الحركة المحدودة مسبقاَ. بالإضافة إلى ذلك، عملت قوانين الطوارئ على تقييد الحركة والإنتاجية مع تقييد ساعات العمل بشكل متزايد. كما تتسبب عودة التكتيكات القمعية التي تمارسها الأجهزة الأمنية والعسكرية بمضايقة النساء العاملات، وهو ما يذكرنا بالممارسات التي شوهدت في ظل النظام السابق.
في دارفور وكردفان، تشكل النساء غالبية العمالة في المزارع، وكان لزاماً عليهن التعامل مع واقع جديد. وكانت الاستعدادات جارية لموسم الزراعة القادم عندما اندلعت الحرب. وقد أعاق النزوح وتقلب الوضع قدرة النساء على رعاية المزارع وزاد من خطر العنف الجنسي والمبني على النوع.
وقد نقل المشاركون/ات من دارفور تقارير عن العمل القسري في المزارع المملوكة لقوات الدعم السريع. ووردت تقارير عن اختطاف بعض النساء اللاتي كن في طريقهن إلى تشاد وإجبارهن على العمل في المزارع حتى وقت الحصاد. وتم ابتزازهن للحصول على مدفوعات شهرية مقابل أمنهن. وواجهت النساء اللاتي تمكن من حصاد قطع أراضيهن صعوبات إضافية. فقد تعرضت المحاصيل للنهب أو تعذر بيعها بسبب عدم توفر النقد وتدمير الأسواق. وبالإضافة إلى ذلك، توقفت أنشطت النساء اللاتي كن يشاركن في التبادل الاقتصادي والتجارة عبر الحدود مع تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، مما أثر بشدة على المجموعات التي تعتمد على التجارة في معيشتها.
وعلى الرغم من هذه العقبات الهائلة، تواصل النساء السودانيات في جميع أنحاء البلاد التعبئة من خلال الجمعيات والشبكات الشعبية لتوفير احتياجات أسرهن ومجتمعاتهن. وقد تبادلت المشاركات أمثلة حول كيفية قيام النساء، من خلال التعاونيات وبالتعاون مع غرف الاستجابة للطوارئ النسائية، بإنشاء مشاريع تجارية صغيرة ملأت فجوات كبيرة في الخدمات. وعلى الرغم من الصعوبات التي لا توصف، تواصل النساء السودانيات في جميع أنحاء البلاد، وفي الخارج، تقديم نموذج ملهم للاقتصادات الصغيرة المؤثرة التي لها تأثير ملموس الآن وستستمر في التأثير في المستقبل.
الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية: إن النظام الصحي الهش في حالة يرثى لها. فأكثر من 70% من المستشفيات في المناطق المتضررة من الحرب خارجة عن الخدمة. وكان تأثير الحرب على الصحة الجنسية والإنجابية وصحة الأم مثيراَ للقلق. فقد تم تقليص قدرة النساء على الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية وصحة الأم المنقذة للحياة بشكل كبير. واضطرت النساء الحوامل إلى التنقل عبر الطبيعة القاسية والسفر لمسافات طويلة للوصول إلى الرعاية الطبية.
وفي حال وصولهن إلى المستشفى، فإن نقص الإمدادات الطبية يعرض حياتهن وحياة أطفالهن لخطر جسيم. ولم تتمكن العديد من الأمهات الحوامل من السفر ولم يكن لديهن خيار سوى الولادة في المنزل، مما يزيد من خطر المضاعفات. وعلاوة على ذلك، أثرت الضريبة النفسية للحرب على النساء الحوامل والأمهات المتوقعات، مما يمثل تحديات كبيرة أثناء الولادة وبعدها.
ومن التهديدات الأخرى لصحة المرأة ورفاهتها العقلية عدم قدرة النساء والفتيات على الوصول إلى منتجات النظافة الشهرية. وقد تفاقم هذا النقص بسبب عدم توفر المياه، وأحيانا لعدة أشهر متتالية.
العنف الجنسي والمبني على النوع الاجتماعي: بعد حوالي عامين من ١٥ من أبريل ٢٠٢٣م، العنف الجنسي المرتبط بالنزاع يستمر بلا انقطاع. والروايات المروّعة التي تطفو على السطح عن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي؛ والاغتصابات الجماعية؛ والاستغلال الجنسي؛ الاسترقاق الجنسي؛ والإتجار بالبشر؛ التهجير القسري؛ والاختطاف؛ والزواج القسري، ترسم صورة قاتمة عن الوحشية السائدة. استخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ’كسلاح للحرب‘ ليس بجديد في السودان، حيث لدى طرفي النزاع سجل طويل من الانتهاكات لحقوق الإنسان، وقائمة طويلة من الانتهاكات ضد النساء والفتيات لا سيما في دارفور. رغم ذلك، لا يزال النطاق الحقيقي للأزمة محجوباً نسبة لندرة البيانات؛ وقلة التقارير؛ وقلة الإبلاغ؛ وخوف متفشّي من الانتقام.
الخدمات المتخصّصة للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي كانت محدودة حتى قبل اندلاع الحرب. وهي محدودة النطاق حيث تتوفر، وعلاوة على ذلك فالوصول إليها صعب. ضحايا العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي والناجيات منه يواجهن تحديات كبيرة في الوصول إلى الأدوية المضادة للفيروسات بعد التعرض بالإضافة إلى أدوية منع الحمل والإجهاض. ويضاعف فقدان شبكات الدعم والمساحات الآمنة التحديات التي يواجهنها الضحايا والناجيات.
وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدة الإنسانية (UNOCHA)، الحوجة لخدمات العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في السودان قد تصاعدت منذ ١٥ أبريل. ويقدّر أن حوالي ٥ ملايين شخص بحاجة إلى الخدمات. علاوة على ذلك فإن أعداد الأشخاص المُستهدفين تحديداً بخدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي ارتفعت إلى ٣ ملايين، ممثلة بذلك ارتفاعاً هائلاً لأكثر من ٩٠٠٪ في الولايات شديدة التأثّر. تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أنه بحلول نهاية عام ٢٠٢٤م، فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى خدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى ٧ مليون، بينما يغطي التمويل فقط ٢٦.٦٪ من الحوجة.
رغم وجود تقارير من مصادر متعددة وشهادات شخصية، تظل بعض الجهات والأحزاب السياسية صامتة عن مزاعم العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي المرتبط بالنزاع، أو تنكره بشدة. ينبع هذا الإنكار من حسابات سياسية حيث ينظر إلى اتهام الأطراف المتحاربة كمسألة خلافية وخطوة محفوفة بالمخاطر. إلا أن هذا يؤدي فقط إلى إعفاء قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية من مسؤوليتهم عن هذه الفظائع، مما يكرّس لإدامة نهج الإفلات من العقاب الذي يمكن أن يستمر لعقود.
الزواج القسري: منذ اندلاع الحرب، هناك زيادة مقلقة في تقارير الزواج القسري بما في ذلك أيضاً زواج القاصرات. تُنسب هذه الزيادة إلى الضائقة الاقتصادية والخوف من انتقام قوات الدعم السريع إذا قاومت الأسر. قام جنود قوات الدعم السريع بعرض حوافز مادية للأسر، مُستغلّين الضائقة الاقتصادية التي تفاقمت نسبة لاندلاع الحرب. أيضاً، تعطّل التعليم، لا سيما للفتيات يزيد من تعرضهن للخطر وزواج القاصرات وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.
في مناطق السودان التي ربما لم تمسسها ويلات الحرب مادياً، تركت تبعاتها الاجتماعية بصمات واضحة. تختار الأسر التي تتوقع تهديدات محتملة لسلامة بناتها تزويجهن على مضض. ومسألة ملحة أخرى تطرأ من الأعراف الاجتماعية الراسخة -للسماح لبناتهم بالهروب من معمعة الحرب- تُصر بعض الأسر على زواجهن اولاً. لكن هذا القرار يتجاوز الأعراف البحتة.
الوضع في مخيمات النزوح واللجوء: وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن حوالي 70% من النازحين داخلياً و90% من اللاجئين الفارين إلى تشاد هم من النساء والأطفال. والوضع في الملاجئ المؤقتة ومخيمات النزوح واللاجئين قاتم للغاية. فالوصول إلى الغذاء والمياه والخدمات الطبية محدود. والمراكز والمخيمات مكتظة وغير صحية، وتواجه النساء والفتيات خطراً متزايداً من العنف الجنسي والمبنى على النوع.
لقد تولت النساء النازحات واللاجئات مسؤولية إدارة الحياة داخل مخيمات النازحين داخلياً. وقد أنشأن لجاناً داخل المخيمات، فضلاً عن الملاجئ المؤقتة لتوفير الدعم والحماية لبعضهن البعض وحل النزاعات بين المجموعات. في مخيمات اللاجئين في تشاد، شكلت النساء مجموعات دعم نفسي واجتماعي لمساعدة النساء على التعامل مع فقدان أفراد الأسرة والمنازل والممتلكات. كما يصنعن الحرف اليدوية كوسيلة لكسب العيش. بالإضافة إلى ذلك، تنظم النساء حملات لزيادة الوعي بين الشابات حول كيفية حماية أنفسهن من العنف الجنسي، ويشاركن في مناقشات مع الأمهات حول عواقب زواج الأطفال. هناك أشخاص من جميع مناحي الحياة في المخيمات. في حين لم يكن من الممكن أن يتفاعلوا في الماضي، إلا أنهم الآن يجدون أنفسهم يعيشون معًا. تقود النساء مبادرات لتعزيز التعايش السلمي وقبول بعضنا البعض، ومكافحة خطاب الكراهية.
استهداف المدافعات عن حقوق الإنسان والمنظمات النسائية: كان المدافعون/ات عن حقوق الإنسان تحت تهديد مستمر من كلا الطرفين المتحاربين. وتواجه الناشطات وكذلك النساء العاملات في غرف الطوارئ خطر التحرش أو الاعتداء الجنسي أو الاعتقال التعسفي أو القتل. كما تم استهداف النساء المشاركات في تقديم الخدمات بشكل ممنهج وتقييد حركتهن بشدة.
في أكتوبر 2023، وردت أنباء عن اغتيال أحد أعضاء غرفة طوارئ الجريف غرب على يد جنود قوات الدعم السريع. وفي نيالا بجنوب دارفور، قُتلت المدافعة عن حقوق الإنسان بهجة عبد الله برصاص قوات الدعم السريع. وظهرت روايات مماثلة في غرب دارفور والنيل الأزرق والخرطوم. كما يتم اتهام النساء في مناطق سيطرة الجيش بتهم التعاون مع قوات الدعم السريع دون تحقق أو اتباع الخطوات العدلية لكشف الحقيقة، مما يعرضهن لعقوبات اعتباطية. ومع ذلك، وعلى الرغم من المخاطر الشخصية الكبيرة التي يواجهنها، تواصل النساء والمنظمات النسائية تقديم الخدمات بلا كلل وبإيثار للمجتمعات المحتاجة.
بعض المشاركين/ات عندما يُسألون عن تطلعاتهم للسلام يعبرون بطرق مختلفة عن مفهومهم للسلام. تحدّث بعضهم عن الرجوع إلى منازلهم، واستذكر البعض رشّ نباتاتهم بالماء في كل صباح، وآخرون تذكّروا الجلوس على طاولة واحدة مع جميع أفراد اسرتهم لتناول الطعام. يُستشعر اليأس تقريباً في جميع الجلسات حيث يبدو أن الجميع يواجهون صعوبات للتأقلم مع الواقع الجديد، سواء كان هذا التأقلم للعيش في ساحة القتال، أو محاولة كسب العيش كأُسر نازحة لمناطق جديدة.
خلال هذه الجلسات، الطابع المُعقّد للحرب، وكيف يؤثّر على النساء بَرَز بصورة أكبر. وصف المشاركون بشجاعة عدم تمتّعهم برفاهية التفكير في مطالبهم السياسية عندما يقوم الصراع بنزع الطابع السياسي عن احتياجاتهم الإنسانية. سواء كان عبر عرقلة المساعدات الإنسانية، أو عبر فرض قيود إضافية على المجتمعات النازحة التي تحاول كسب عيشها في القطاع غير المهيكل. معظمهن نساء من الخلفيات الإثنية التي يتم ربطها سياسياً في الوقت الراهن بقوات الدعم السريع. بعض المشاركين/ات تحدثوا عن كيف يتعرضون عند عبورهم للمناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية كمواطنين، تعود أصولهم لغرب السودان، لمزيد من التفرقة والاستجواب، بسبب مظهرهم الخارجي، أساميهم، ولهجاتهم…الخ
فيما يتعلّق بالتمثيل في اتخاذ القرار وفضاءات صناعة السلام، برزت الكثير من الهواجس بصدد شرعية تلك الفضاءات والمنابر. أسئلة حول تمويلها، اتصالاتها، مسؤوليتهم الوطنية، وحلفائهم السياسيين كانت كذلك جزءاً من الحوار. تقول أحد المشاركات: ”فقدنا الثقة في الفاعلين السياسيين والأمل في السلام“.
كما يُبدي آخرون قلقهم في أن ليس لدى السودان مبادرة سلام وطنية ومستقلة، وأن جميع منابر السلام الموجودة في الوقت الحالي (جدة، أديس أبابا، أوغندا، جنيف... الخ) لا تمتلك قنوات اتصال مفتوحة مع السودانيين ولا تقوم بعمليات استشارية من الأسفل إلى الأعلى تصاحب إفادات آراء أصحاب المصلحة.
لاحظ فريقنا أيضاً أنماط متعددة لربط النساء بالأعمال المنزلية بشكل أكبر يتعرضن لها منذ بداية الحرب. مع غياب مراكز الرعاية، يجدن النساء أنفسهن مثقلات بعبء أكبر لتوفير الرعاية لأفراد الأسرة المرضى، المسنين، والأطفال. ويتجاوز هذا عبء الرعاية المُطبّع قبل الحرب، حيث كان في مقدورهن الاستعانة بمصادر خارجية للمساعدة، أو اعتمادهن على الأسر الممتدة التي تعيش في منازل متعددة الأجيال. هذا بالإضافة إلى أن شحّ الاحتياجات الأساسية يجعل النساء معرضات للاضطهاد من قبل أفراد الأسرة والغرباء. كان واضحاً بالنسبة لنا حين استمعنا إلى إفادات آراء المشاركين/المشاركات، أن الرجال فكروا جلياً في مسائل على الصعيد الأكبر مثل مستقبل الاسرة والرحلات الطويلة للبحث عن ملجأ. وبالمقابل النساء اهتممن بمسائل على الصعيد الأصغر. كإدارة المنزل، وضع الطعام على الطاولة بما توفر من وسائل، حماية الأطفال من الغرباء أثناء عيشهن في جوانب الطرقات، وفي مراكز المجتمعات النازحة حيث تنعدم الخصوصية.
يبدو الوضع الراهن لمعظم النساء والفتيات في السودان في غاية القتامة. بالأخص لمن لا يستطعن الهروب من المناطق الساخنة. لكن من المهم أن نقر بالجهود التي يقمن بها النساء والفتيات للتغلب على هذه التحديات، وإعادة بناء حياة تخصهن، والتحكم بما في مقدورهن التحكم به. هذا النهج ليس بجديد للنساء والفتيات السودانيات. مثلما في تاريخ النزاع في السودان، المجتمعات المتأثرة لم تلعب دور الضحية ولم تقم بانتظار آخرين لإنقاذها. أثناء عملها كإختصاصية في التعافي المجتمعي في الفاشر بعد حرب دارفور، تقول (س ا) في شهادتها عن مثابرة النساء ورغبتهن في الحياة:
’’النساء كانوا محاولين يخلوا الحياة طبيعية. يعني أنا كنت بمشي المعسكر، بيقوموا بعملوا لي عصيدتنا حقت الماريكة اللي هي حقت ام درمان دي. بعملوا لي ملاح الشرموط الأبيض لأنه أنا بحبه. بحاولوا يكرموني ويحسسوني إني كأنه في البيت، فهم برغم إنهم قاعدين في المعسكر’’

تمثيل النساء في عمليات السلام السابقة – دراسة حالة
تمثيل النساء في عملية السلام بعد ١٥ أبريل ٢٠٢٤ – دراسة حالة
حالة تقدم/محادثات أديس أبابا
خلال الفترة الانتقالية، لعديد من الأسباب؛ فشلت الأجسام السياسية -كقوى الحرية والتغيير- في تحقيق إصلاحات ذات مغزى. حيث أعطت النخب السياسية الأولوية للمشاركة في السلطة عوضاً عن الانخراط الحقيقي بانفصالها عن الواقع اليومي لأجزاء كبيرة من السكان؛ مما أثار الهواجس عن شرعيتها ومصداقيتها. وأدت الاتهامات بإرضاء المؤسسات العسكريّة إلى إضعاف ثقة العامة بصورة إضافية كما أكدّت الحاجة إلى تغيير جوهري في طُرق انخراط قوى الحرية والتغيير، تغييراً يتجاوز المصالح النخبوية الضيقة ويضع وجهات نظر متنوعة واحتياجات الشعب السوداني في الصدارة.
يتعامل اليوم ائتلاف ’’تقدم’’ مع نفس التحديات التى حوّلت قوى الحرية والتغيير إلى تحالف بالي، مما يعكس إخفاقاته السابقة. عدم قدرة إئتلاف ’’تقدم’’ أو غياب إرادته السياسية على الانخراط مع عامة الشعب وأكثر المتأثرين بالحرب، أثار أسئلة ملحّة عن شرعيته، مصداقيته، مسؤوليته والمصالح التى يخدمها حقاً.
يبقى الإقصاء هو الأمر السائد، رغم أنها مبادرة بقيادة قوى مدنية ديمقراطية تطالب بالمزيد من التمثيل وتناصر التضمين السياسي، إلا أن الشعور العام يشير إلى واقع مختلف. بينما أن إستبعاد النساء، الشباب، والمجموعات المهمّشة تاريخياً ليس بجديد، في مفترقات طرق كهذه بالتحديد يجب سماع جميع الأصوات وتحفيزها.
تمثيل النساء داخل هياكل ’’تقدم’’ يبلغ ٣٠٪ في الوقت الراهن، وهي نسبة تراها المجموعات والمنظمات النسائية ضعيفة بشكل مزري وتشير إلى تراجع المكاسب السابقة وتكرار الأنماط القديمة. يُنظر إلى إشراك النساء الضروري في اتخاذ القرار على أنه رمزي فقط أو مجرد فكرة ثانوية. غياب الأصوات المهمة عن الحوار الذي يسعى إلى المضي قُدماً هو دليل إضافي على أنه تم تعلّم القليل أثناء الفترة الانتقالية.
صناعة الشرعية: الاتهامات الموجهة ضد التحالف تسلّط الضوء على التحديات التي تواجه ’’تقدم’’. هنالك توازن دقيق بين فتح قنوات الاتصال مع الأطراف المتحاربة والتواطؤ في إدامة العنف والقهر. بلا شك سارت ’’تقدم’’ على حبل ممشوق. وجد التحالف نفسه تحت رقابة شديدة لأفعال وخطابات يراها الكثيرون على أنها تمنح قوات الدعم السريع الشرعية. مثال لذلك هو الاجتماع الذي انعقد في أديس أبابا في الأول من يناير ٢٠٢٤م. أثار المظهر العام للاجتماع الجدل وبدى للعيان أن توقيع إعلان أديس أبابا مسألة مقلقة ومثيرة للانقسام.

إعلان أديس أبابا هو بمثابة مثال بارز لنهج تقدم التنازلي (نهج من أعلى إلى أسفل) وأوجه قصور اتصالاتهم. بعد قُرابة شهرين من توقيع الإعلان، كان هناك القليل من الوضوح عما صدر من توقيع الاتفاق. أحد الأسباب المزعومة لتوقيع الاتفاق هو إخضاع قوات الدعم السريع للمساءلة. غير أن الفظائع المستمرة واستهداف المدنيين وتوسّع مناطق الدعم السريع تثير التساؤل حول فائدة الاتفاق. وفضلاً عن ذلك فشل التواصل الفعّال وعدم الانخراط مع السكان على نطاق واسع يُديم الشعور بخيبة الأمل ويضعف الثقة العامة في عمليّة السلام. يُطرح السؤال: هل سيكون إعلان أديس أبابا خارطة طريق أخرى لا تقود إلى شيء.
بينما تقرّ تقدم بأوجه قصور استراتيجية اتصالاتها؛ يبدو أن القليل من الأفعال الملموسة تم اتخاذها لتصحيح الخلل. استمرار عمليات اتخاذ القرار المبهمة ومحدودية الانخراط مع أصحاب المصلحة الرئيسيين لا يؤدي إلا إلى نفور أقسام كبيرة من السكان بشكل إضافي. حيث يبدو أن التركيز الأكبر يقع على التواصل مع فاعلين سياسيين آخرين والمجتمع الدولي، مما يضع الأولوية على ذلك الانخراط عوضاً عن التواصل مع العامة.
اليوم، تم حل ائتلاف تقدم للخلاف حول وجوب إقامة حكومة مدنية/عسكرية في مناطق سيطرة الدعم السريع. ولكن في مراسم إعلان الجسمين الجديدين، نرى سيطرة الرجال على المشهد متكررة. قاعات كبيرة مليئة بالنساء في المقاعد الخلفية، ورجال كُثر مصطفين في المنصات الرئيسية، يتبادلون الضحكات وقراءة البيانات.
تكتيكات حراك أمن وسلام النساء
شارك/ت المشاركون/ات في إعداد هذا الدليل بآرائهم/ن حول الاستراتيجيات الأكثر فعالية لنشطاء أمن وسلام النساء لتحقيق السلام والأمن العادلين والتشاركيين.
بناء القدرات
من الأهمية بمكان الاستثمار في تطوير قدرات نشطاء أمن وسلام النساء. يجب أن يكون هؤلاء الأفراد مجهزين للتفاوض على ديناميكيات القوة، والوصول إلى منصات صنع القرار، وامتلاك فهم شامل لأجندة السلام الوطنية والمحلية، وآليات بناء السلام، والقدرة على تحديد الجهات الفاعلة السياسية ذات الصلة والتعامل معها في سياقاتها المحددة.
بناء الحركات والشراكات
إن تحقيق أهداف أمن وسلام النساء هو مسعى جماعي. من خلال تعزيز الحركات وتعبئة مجموعات أوسع من أصحاب المصلحة، تتزايد الضغوط على صناع القرار وصناع السياسات وتتحقق ملكية أكبر لمطالب المرأة والسلام والأمن.
آليات التشاور السريعة
غالبًا ما يعاني نشطاء أمن وسلام النساء من العزلة أثناء مفاوضات السلام واتخاذ القرارات رفيعة المستوى بسبب الطبيعة السريعة لعمليات السلام والافتقار إلى آليات التشاور مع مجموعات أصحاب المصلحة الأوسع. إن إنشاء عمليات تشاور سريعة ومتجاوبة تتضمن نهجا من أعلى إلى أسفل (تنازلي) ومن أسفل إلى أعلى (تصاعدي) من شأنه أن يعزز بشكل كبير من قدرات التفاوض لدى نشطاء المرأة والسلام والأمن ويضمن بقاء أصحاب المصلحة على اطلاع ومشاركين.
الحماية الجماعية لنشطاء أمن وسلام النساء
غالبًا ما يتم استهداف نشطاء المرأة والسلام والأمن من قبل الأنظمة القمعية. تعد مبادرات الحماية الجماعية القائمة على المجتمع والحلفاء ضرورية لضمان سلامة واستمرار عمل نشطاء أمن وسلام النساء. يمكن أن يسهل التواصل مع شبكات نشطاء أمن وسلام النساء المحلية والوطنية والدولية جمع الأموال للملاجئ الآمنة وتوفير الخدمات اللوجستية للحماية.
السلام العادل أولاً
مع الاعتراف بخلفياتنا واختلافاتنا المتنوعة، يجب أن يتم السعي إلى تحقيق الوصول العادل إلى السلطة والثروة بشكل سلمي، جماعي، ومراعٍ، وتذكر ’’أنني لست حرة بينما أي امرأة أخرى غير حرة، حتى عندما تكون أغلالها مختلفة تمامًا عن أغلالي’’ - أودري لورد.
في الختام
في الختام، نود أن نُبرز الدور المعقّد والمتعدّد الأبعاد للنساء في عمليات الصراع والسلام، داعين إلى التحول من النظر إلى النساء فقط كضحايا إلى الاعتراف بعدم المساواة الهيكلية المتجذرة التي يواجهنها بالفعل في السياق المجتمعي الأوسع. النساء لسن فقط متأثرات بالنزاع المسلح بمعزلٍ عن غيرهن؛ بل هن أصلاً في صراع مع أشكال متعدّدة من العنف والإقصاء المتجذرة في النظام الأبوي والطبقية والعسكرة. سواء من خلال أدوارهن في الاقتصاد غير الرسمي، أو معاناتهن من العنف القائم على النوع الاجتماعي في الأماكن الخاصة والعامة، أو من خلال التمييز العنصري والإثني، فإن النساء يواجهن حروبًا موجودة منذ وقت طويل قبل أن تُطلق أول رصاصة.
توضح هذه الحقيقة أن مشاركة النساء في عمليات السلام لا يمكن أن تُختزل إلى تمثيل شكلي أو حلول سطحية تركز على حماية النساء من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع. في حين أن هذه التدابير ضرورية، إلا أنها ليست كافية بمفردها. التغيير الحقيقي يجب أن يأتي من نهج نسوي راديكالي وشامل للسلام. يجب على عمليات السلام أن تعالج الأسباب الجذرية لعدم المساواة المبنية على النوع الاجتماعي وأن تعمل على تفكيك أنظمة القمع التي تخلق الهشاشة في المقام الأول. حركة النساء لا يمكنها أن تدعو فقط إلى شمولهن في طاولة المفاوضات؛ بل يجب أن تدفع نحو عمليات تحويلية تعترف بالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي عاشته النساء منذ فترة طويلة.
يجب بناء عمليات السلام النسوية على الاعتراف بهذه الحقائق، متجاوزةً نطاق التدخلات بعد النزاع لتناول عدم المساواة المنهجية التي تستمر في تهميش وإيذاء النساء قبل وبعد النزاع. من خلال القيام بذلك، يمكننا بناء سلام لا يكون مجرد غياب العنف، بل سلامًا يقوم على العدالة والمساواة والرفاهية الجماعية لجميع الناس. هذا هو أساس السلام المستدام—سلام يعترف بالنضالات المتقاطعة التي تواجهها النساء ويعمل على بناء عالم يمكن للجميع أن يزدهر فيه.




© 2025 - سلامنا: دليل أمن وسلام النساء في السودان